موضوع: الامراض النباتية الجمعة مايو 14, 2010 4:30 am
تعتبر الأمراض النباتية من المشاكل الهامة التي تقابل الإنسان في كفاحه من أجل توفير الغذاء والملبس. ولقد ذكر لنا التاريخ بعض الأمراض التي كانت سائدة في العصور القديمة، كما سجل لنا آراء المفكرين القدماء عن طبيعة هذه الأمراض ومسبباتها. اعتقد أجدادنا أن ما يتعرض له النبات من مشكلات ما هي إلا عقاب من الآلهة لهم على خطاياهم، ولقد ورد ذكر أمراض النبات في التوراه، ويعتقد أن ما جاء ذكره في "سورة يوسف" عن السبع سنوات العجاف أنها راجعة لإصابة الغلال بالأمراض. ذكر أريسطو- الفيلسوف اليوناني الأشهر (1384-1222 ق.م) أمراض التين والزيتون والعنب، وفي سنة 300 ق.م نشر ثيوفراستس- وهو يعد أو عالم نبات في كتابة "تاريخ النبات" أمراض التين والعنب وأمراض النجيليات وأوضح أنها كانت شديدة الوطأة في اليونان، وعلى الأخص أصداء محاصيل الحبوب. وقد عزى اليونانيون القدماء ظهور الأمراض النباتية إلى أسباب فلكية أو إلى الجو والتربة غير الملائمين أو إلى غضب الآلهة. عانى الرومان القدماء كثيراً من أصداء القمح، وقد اعتقدوا أن ذلك يرجع لغضب إلأ ه الصدأ Robigus عليهم، فكانت تقام له الاحتفالات في شهر أبريل من كل عام ويقدمون له الإضاحي من كلاب حمراء وخراف ليحمي محاصيلهم من أضرار الأصداء. يرجع تأخر دراسة الميكروبات بصفة عامة إلى نظرية التوالد الذاتي Spontanious generation والتي كانت سائدة في الأزمنة القديمة. وقد أدى الاعتقاد الراسخ في هذه النظرية إلى تأخر دراسة هذا العلم، حتى تمكن العالم لويس باستير سنة 1860 م من إثبات خطأ هذه النظرية، وأثبت أن الكائنات الحية الدقيقة تتكاثر وتعطي كائنات حية أخرى مماثلة لها. يعد العالم والطبيب الألماني Anton de Bary (1831-1888) هو منشا علم أمراض النبات، حيث أمكنه إيضاح التطفل في الفطريات وهو أول من تعرف على مسبب مرض اللفحة المتأخرة في البطاطس الذي أهلك هذا المحصول في شمال غرب أوروبا في الفترة من 1835-18845م وأدى لمجاعة هائلة في أيرلندا وعرف مسببه على أنه Phytophthora infestans . وقد تتلمذ على يدية عدد كبير من المشتغلين بأمراض النبات، وقد ذاع صيتهم وطوروا وأكتشفوا الكثير من الأمراض ومسبباتها.
ونظراً لأهمية مرض الندوة المتأخرة في البطاطس في التاريخ البشرى وللدور الهام الذي لعبته الظروف البيئية في إنتشاره، فسوف نلقي الضوء على كيف بدأت هذه الكارثة وكيف إنتشرت بعد أن توطدت زراعة البطاطس في شمال غرب أوروبا وأصبحت الغذاء الأساسي لشعوبها، ومع تزايد المحصول ووفرته بسبب عدم وجود الكائن المسبب للمرض والذي كان منتشراً على زراعات البطاطس في أمريكا الجنوبية. ظهر المرض في وقت واحد في الولايات المتحدة وأوربا (1842-1843م) ويرجح أنه إنتقل إليهما من بيرو بداية من عام 1840. في عام 1844 سجل المرض في بليجكا وفرنسا (ليل)، وانجلترا وأيرلندا. إلا أن الصيف الجاف في هذا العام لم يعطي له فرصة الانتشار. وفي عامي 1845-1846م بدأت حقبة مأساوية في حياة شعوب شمال غرب أوروبا، ففي منتصف يوليو 1845م أصيبت البطاطس في فنلندا والأجزاء المجاورة من فرنسا وألمانيا ونشرت صحف بلجيكا الصيفية مقالات عن مرض البطاطس الجديد. إنتشر المرض بعد ذلك إلى لكسمبورج وعلى طول نهري الرون والراين إنتقل إلى السويد، وفي منتصف أغسطس ظهر المرض حول باريس. وللتدليل على ما فعله المرض في حياة شعب أيرلندا أنه مع بداية إنتشاره كان عدد سكانها 8 مليون نسمة، وفي عام 1851 م وصول على سكانها إلى 2 مليون نسمة